>> ولد الشاعر الاستاذ الدكتور محمد عبده غانم في عدن عام 1912 وتوفي - رحمه الله- في صنعاء ودفن فيها في خزيمة عام 1994.. والد الشاعر السيد عبده غانم أيضاً ولد في عدن وقد توفي - رحمه الله- فيها ودفن في العيدروس. اما الجد السيد غانم الهاشمي الحسني فقد ولد في التربة بالحجرية.
> د. شهاب غانم
كان الجد تاجراً بسيطاً اما السيد عبده غانم فكان اكبر تجار التواهي قبل الحرب العالمية الثانية ولأنه كان رجلاً ورعاً فقد تلك المكانة بعد بروز عدد من تجار الحرب الذين لم يتورعوا عن العمل بالسوق السوداء اوماكان يسمى «بالباراشوت» وعلى كل حال فقد بنى السيد عبده غانم منزلاً كان الاعلى ارتفاعاً في التواهي في زمنه ومازال قائماً أمام سوق الخضار وكان عضواً في المجلس التشريعي ومجلس الكنترول وكان يحب القراءة ويعرف الانكليزية.
اما محمد عبده غانم فقد لاحظ استاذه الهندي الدكتور رضا حسين - الذي كان المسؤول الاول عن التعليم في عدن - ذكاءه المتوقد فألهب خياله بضرورة التحاقه بالتعليم الجامعي فعزف عن التجارة مهنة ابيه وجده واصر على مواصلة تعليمه وبعد معارضة شديدة من والده الذي كان شديد الحب له وكان يريده ان يعمل معه في التجارة رضخ لرغبته وتحمل تكاليف دراسته للطب في الجامعة الامريكية ببيروت .. وتخبرني احدى عماتي ان والدي عاش فترة عصيبة أثناء رفض والده السماح له بالدراسة العليا فرفض النوم في المنزل وكان ينام في مستودع تابع لدكان والده بين أكياس الأرز والدقيق والسكر وكان والدي قد فقد والدته وهو طفل فنشأت علاقة قوية بينه وبين أبيه الذي كان مندهشاً بذكائه وشديد الفخر به.
وبعد أن نجح والدي في السنة الاولى من دراسة الطب حاول والده أن يعيده الى عدن بحجة أن الدراسة طويلة ومكلفة فقبل والدي حلاً وسطاً وهو التحول الى كلية الآداب حيث الدراسة أقصر بسنتين ولميوله الادبية وكان في الجامعة سكرتيراً لجمعية العروة الوثقى وحصل على الجائزة الأولى في الشعر في الجامعة وتخرج بامتياز وكان الاول على كلية الآداب عام 1936 وبذلك كان اول خريج جامعي من اليمن بل من الجزيرة العربية وبعد الحصول على شهادة اخرى من التعليم عاد للعمل في حقل التربية والتعليم في عدن من 1937 حتى احتل المنصب الاول في وزارة التربية والتعليم بعدن بعد أن كان ذلك المنصب مقصوراً على البريطانيين وقد تقاعد غانم عام 1962تقاعداً اختياراً مبكراً لأسباب شرحها شقيقي د. عصام غانم في كتيبه «سيرة الدكتور محمد عبده غانم - الشاعر والاستاذ والتربوي» والتحق غانم بجامعة لندن كطالب خارجي لدراسة الدكتوراة وكان عليه أن يختار إما أن يكون طالباً داخلياً او أن يحصل على البكالريوس من جامعة لندن نفسها حسب قوانين الجامعة التي تتطلب ذلك وكان تحدياً كبيراً ان يعود للبكالوريوس بمناهج تختلف كثيراً عما درسة في بيروت والعجيب أنه تقدم للامتحان وكان الوحيد الذي حصل على الامتياز برتبة الشرف الأولى في ذلك التخصص في تلك السنة في جامعة لندن عام ١٩٦3 وقد اخبرني البروفسور «سارجنت» انه صحح اوراق الامتحان فلم يستطع أن يجد خطأ واحداً على الرغم من اجتهاده في اكتشاف ولو خطأ واحد! وهكذا حصل على البكالريوس من بيروت عام
1936ومن لندن عام 1963.
بعد ذلك سجل والدي لدراسة الدكتوراه وأعد اطروحته الشهيرة « شعر الغناء الصنعاني» باللغة الانجليزية وترجمها فيما بعد الى العربية ونشرت في بيروت وكلفت أنا بمراجعة البروفات اذ كنت أعمل في لبنان في ذلك الوقت وكان محمد أحمد نعمان قد اهتم بنشر الطبعة الاولى تحت مظلة مركز الدراسات اليمنية وتحدثت معه في بيروت قبل اغتياله رحمه الله بأسابيع وقد أهدى والدي الكتاب هكذا :« من ميناء اليمن الى عاصمتها» وذلك قبل الوحدة بعشرين عاماً وقد أعات دار العودة طبع الكتاب مرات عديدة بعد ذلك.
اذكر في طفولتي صوراً لوالدي وهو في نحو العشرين ممتطياً صهوة حصان سألت عنها فأخبرني انها التقطت في الجزء الشمالي من اليمن ولعل تلك الصور التي تعود الى الثلاثينيات من القرن الماضي التقطت في الحجرية ربما في الرحلة الوحيدة لوالدي للشطر الشمالي قبل ثورة سبتمبر ولكنه بعد الحصول على البكالريوس من لندن سافر الى صنعاء لأول مرة بحثاً عن المراجع للدراسة.
صنعاء في شعر غانم:
عاش غانم جل حياته حتى عام 1972في عدن ماعدا سنوات دراسته في بيروت ولندن وتغنى بعدن في عشرات المواقع في قصائده كما بينت في مقالاتي « عدن في شعر محمد عبده غانم» التي نشر بعضها في 14 اكتوبر والخليج الثقافي وغيرهما.
أما صنعاء فأول قصيدة كتبها عنها كانت عام 1970 عند زيارته لها ولكنه قبل ذلك أشار اليها في كثير من قصائده بالاسم يقول في ديوانه الاول « على الشاطئ المسجور» في قصيدة قصة الامواج مخاطباً سيف بن ذي يزن اثر انتصاره على الاحباش:
فاجلس على عرش الجدود فإنه
عرش القلوب الثابت الأركان
وانزل بصنعاء الجميلة انها
مرعى المها ومسارح الغزلان
وأطل من شرفات قصرك عندما
تفد الوفود الى ربا «غمدان»
وفي قصيدة « الوحدة العربية» التي نالت جائزة عالمية في مسابقة هيئة الاذاعة البريطانية عام 1942يقول:
إن يوماً يعود فيه العرب اتحاد الجدود يوم عجيب
يوم يمشي ابن الرافدين ببيروت وصنعاء فلا يقال غريب وفي ديوانه الثاني « موج وصخر» نجده في قصيدة «رجاء» يخاطب السيف أحمد ولي عهد اليمن عند زيارته لعدن عام 1946فيقول:
مولاي لايخفى عليكم أننا
في عصر علم دأبه التجديد
ملأ المدائن بالمصانع والقرى
وغدت به مثل الجنان البيد
علم تعز به الشعوب فأمرها
ماضٍ وأيسر ودها منثور
فابعث به اليمن الشقيق الى العلا
ينجاب عنه تأخر وجمود
وهي أبيات أغضبت السيف احمد علي مافيها من مدح ورفق ولكن غانم لم يذكر صنعاء بالاسم في تلك القصيدة.
أيضاً في الديوان قصيدة رائعة بعنوان « حمار ورجال» تتحدث بمرارة ساخرة عن خبر مقتل عشرة رجال في اليمن في قضية ثأر لمقتل حمار في الديوان الثالث « حتى يطلع الفجر» هناك عدة إشارات الى الشمال بل هناك قصيدة كاملة عن تعز مطلعها:
تعز العز في ثبج الجبال
أحقاً ما أرى أم في خيال
قدمتك والمغيب يموج جمرا
يسيل الأفق منه على التلال
كأن قبابك البيضاء فيه
خدود زانها خفر الدلال
وحالية البنان مخضبات
أشارت من منائرك الطوال
وهناك قصيدة رائعة في رثاء أبي الاحرار الشهيد محمد محمود الزبيري وقصيدة بمناسبة استقلال الجنوب يقول فيها:
ياثورة بيننا للشعب هادفة
طاحت لها دولة الاصنام والوثن
حييت من ثورة أخرى مجلجلة
للشعب قد ضاق بالطغيان لليمن
سار الجنوب على نهج الشمال بها
صوب المنى يطلبان المجدفي قرن
ثم نأتي على ديوانه الرابع « في موكب الحياة» فنرى قصيدته المعنونة « صنعاء» والمؤرخة عام 1970 وهي قصيدة طويلة تتغزل بصنعاء في 45 بيتاً وكانت مجلة العربي الكويتية قد نشرتها في ذلك الوقت ومنها:
صنعاء يامهد الجمال والفن في أزهى مثال
حيث الغزالة من عل تهدي السماء الى الغزال
فيداعب الطرف المكحل بالضياء وبالظلال
وتغادر الشفتين من قبل الاشعة في اشتعال
وتطوف بالصدر المنمنم في الوشاح وفي الشلال
حيث الجمال يبارك القلب المتيم بالجمال